لطالما ارتبط برنامج "Paint" في أذهان
المستخدمين بالرسومات البسيطة والخطوط الطفولية التي كان يرسمها كثيرون في مراحلهم
الدراسية الأولى. كان يُنظر إليه كأداة تمهيدية للتعامل مع الصور، أقرب إلى دفتر
تلوين رقمي منه إلى برنامج تصميم. لكن هذا التصوّر بدأ يتغير بشكل ملحوظ، خاصة بعد
إعلان شركة مايكروسوفت عن تحديثات جديدة أُضيفت مؤخرًا إلى البرنامج، جعلته يقترب
— ولو جزئيًا — من البرامج الاحترافية في مجال التصميم والتعديل على الصور، وعلى
رأسها فوتوشوب.
نقطة تحوّل في تاريخ Paint
منذ سنوات، كان من السهل التنبؤ بمحدودية
Paint؛ فهو برنامج بسيط يأتي مدمجًا مع نظام التشغيل ويندوز، لا يحتوي
على أدوات متقدمة، ولا يدعم الطبقات أو التعديلات المعقدة. لكن مع التحديثات
الأخيرة، تحوّل Paint من مجرد
أداة للرسم إلى منصة تصميم تحتوي على ميزات لم يكن يتخيلها المستخدمون في هذا
التطبيق البسيط.
من أبرز هذه الميزات: دعم الطبقات
(Layers)، وهي من الخصائص الأساسية في أي برنامج
تصميم احترافي. هذه الميزة تتيح للمستخدمين إمكانية التعديل على أجزاء معينة من الصورة
دون التأثير على الأجزاء الأخرى، مما يسهل عملية التصميم ويمنح مرونة أكبر عند
تنفيذ الأفكار.
دعم الشفافية وتنسيقات متقدمة
واحدة من الإضافات التي لاقت ترحيبًا واسعًا بين المصممين والهواة على
حد سواء، هي إمكانية حفظ الصور بخلفية شفافة. هذه
الخاصية، المعروفة غالبًا باستخدام صيغة PNG بخلفية
شفافة، تُعد ضرورية عند تصميم الشعارات أو العناصر التي يُراد استخدامها في خلفيات
مختلفة.
كما أصبح البرنامج يدعم تنسيقات متعددة للصور بجودة عالية، مما يمنح
المستخدمين خيارات أوسع عند التصدير أو الحفظ، وهو ما يُسهّل إدماج التصميمات في
مشاريع أكبر أو مشاركتها عبر الإنترنت.
واجهة استخدام محسّنة
عملت مايكروسوفت على إعادة تصميم واجهة البرنامج لتصبح أكثر سلاسة
وتنظيمًا. تمت إعادة ترتيب الأدوات بشكل منطقي، مع إضافة شريط أدوات أكثر تفاعلية
يذكّرنا بتجربة الاستخدام في البرامج الأكثر تقدمًا. هذا التحديث يجعل البرنامج
أسهل في الاستخدام، خاصة للمبتدئين الذين يبحثون عن بديل خفيف وسهل قبل الانتقال
إلى أدوات أكثر تعقيدًا.
أدوات تحرير جديدة
من بين التحديثات اللافتة أيضًا، إضافة أدوات تحرير تساعد في قص الصور بدقة، وضبط الإضاءة، وتعديل الألوان بشكل دقيق. كما أصبح بالإمكان إضافة تأثيرات مختلفة على الصور، مثل التمويه أو التباين العالي، وهي مزايا كانت حكرًا على برامج مدفوعة أو معقدة.
هذه الأدوات الجديدة لا تنافس فقط من حيث الأداء، بل أيضًا من حيث
البساطة وسهولة الوصول. فقد أصبح من الممكن تنفيذ خطوات كانت في السابق تتطلب
معرفة تقنية عالية، بخطوات بسيطة وسريعة داخل
Paint.
لمن هذا البرنامج اليوم؟
مع هذه التحديثات، تغيّرت الفئة المستهدفة من Paint. لم يعد موجّهًا فقط للأطفال أو المستخدمين غير المحترفين، بل بات
خيارًا واقعيًا للمصممين المبتدئين، وللمستخدمين الذين يحتاجون إلى تعديلات سريعة
دون الحاجة لتثبيت برامج ثقيلة. كذلك يمكن لطلاب المدارس والجامعات استخدامه في
إنجاز مشاريعهم البصرية بشكل أكثر احترافية من السابق.
حتى المصممون المحترفون قد يجدون فيه أداة سريعة لإنجاز بعض المهام
الخفيفة، مثل قص العناصر أو تحرير صورة قبل إرسالها للعميل، دون الحاجة لفتح برامج
أكبر وأثقل.
مستقبل واعد لبرنامج قديم
ما فعلته مايكروسوفت مع
Paint هو أكثر من مجرد تحديث تقني؛ إنه تجديد لصورة برنامج كلاسيكي ظل لفترة
طويلة في الظل. هذه الخطوة تُظهر أن البرامج القديمة لا تحتاج بالضرورة إلى
الإلغاء أو الاستبدال، بل يمكن إعادة تطويرها لتواكب العصر وتستجيب لاحتياجات
المستخدمين الحديثة.
وفي الوقت الذي تتنافس فيه شركات التكنولوجيا على إطلاق أدوات جديدة
كل يوم، تعود مايكروسوفت لتذكّرنا أن بعض الحلول الأبسط قد تكون الأقرب للمستخدم،
إذا ما تم تطويرها بالشكل الصحيح.
ختامًا، يمكن القول إن Paint لم يعد
ذلك البرنامج البسيط الذي كنا نستخدمه لرسم بيت وشجرة وسماء زرقاء، بل أصبح أقرب
ما يكون إلى "فوتوشوب مُبسّط"، يُقدم مزايا احترافية دون تعقيد. هو خيار
مثالي لمن يبحث عن التوازن بين البساطة والاحتراف، وبين الجودة والسرعة، دون
الحاجة إلى خبرة طويلة أو أدوات متقدمة.
